sweet.directory
مجلة الرسالة/العدد 824/الدولار والشرق العربي للأستاذ عمر حليق هناك حقائق خطيرة قل أن تتعرض لمعالجتها ألسنة الرأي العام العربي عندما تتحدث عما يقترحه المعسكر الغربي على الشرق العربي من مساعدة اقتصادية ومحالفة عسكرية. وهذه المغريات التي تنقلها إلى القارئ العربي في غير فطنة مواصلات فكرية هي فريسة بؤر التوجيه الضار في السفارات الأجنبية وفي وكالات الأنباء (العالمية) التي يعيش على محصولها الإخباري قارئ الصحف العربية والمستمع العربي. ومن أبرز هذه الحقائق تجاهل المعقبين العرب لحقيقة الوضع الاقتصادي القلق الذي تعيش عليه الولايات المتحدة وهي عماد المعسكر الغربي، وحاجة هذا الوضع إلى استثمار الأموال في المناطق التي توفر الربح العاجل المضمون كمنطقة العالم العربي. فللمشروعات الأمريكية للمساعدة الخارجية كمشروع مارشال أوجه أخرى غير الأوجه السياسية. (الإنسانية) التي يبدو أن معظم ألسنة الرأي في الشرق العربي ميالة إلى التعلق بها وحدها. وحين نسلم بأن التوسع السوفيتي وذيوله السيئة في شتى نواحي النشاط الإنساني هو أخطر ما يواجه حاضر الشرق الأدنى يجدر بنا كذلك أن لا ننسى مطلقاً ما يستر من الشر في الاستسلام المطلق للتوسع الأنجلو أمريكي.
هل يصدق القارئ الكريم أن أحد هؤلاء (الوطنيين) هو عضو في 42 شركة، وإن وجيهاً عظيماً يتقاضى من بعض الشركات 22 ألف جنيه سنوياً. ولا يخجلون من أنهم بنفوذهم الوهمي يربّحون هذه الشركات اليهودية الملايين، ومن أين هذه الملايين؟ طبعاً هي من دماء هذه الأمة المنكوبة بغيرة حكامها. السادسة: إن جلالة الملك عبد العزيز آل سعود، لا يلبث أن يشعر بعد قليل من رسوخ قدم الإسرائيليين، أن الشركة الأمريكية التي تستغل بترول بلاده بقاء بضعة ملايين من الجنيهات قد أصبحت يهودية قلباً وقالباً من غير أن يعلم السوابق واللواحق. وحينئذ يعلم الماليون الأمريكيون أن هذا البترول الذين يقتتلون لأجله، أصبح يتسرب إلى موسكو؛ لأن تعاقداً سرياً بين موسكو وتل أبيب قد تم على نية أن تتبادل الصهيونية والشيوعية المنافع الضخمة. وحينئذ يعض ماليو أمريكا وساستها المغفلون أناملهم ندماً على تفريطهم بصداقة العرب، وعلى تأييدهم الصهيونية في الشرق العربي. هذا المصير الذي يصير إليه بترول الحجاز، سيكون مصير بترول العراق أيضاً ومصير بترول مصر وبترول البحرين ومصير كل بترول جديد يظهر في الشرق العربي. ومتى صارت منابع البترول في أيدي اليهود فلا يعود نصيب جلالة الملك عبد العزيز السعود ونصيب حكومة العراق ونصيب أمير البحرين ونصيب أية حكومة عربية إلا قشر البيضة من ثروة البترول.
ما هو هذا الغرض الذي ترمي إليه سياسة الاستعمار البريطاني؟ ليس الرد على هذا السؤال بالعسير حتى على رجل الشارع في دمشق وبغداد وعمان وبيروت، لأن سياسة الاستعمار البريطانية التي جعلت من الوطن القومي اليهودي (دولة إسرائيل) غير المعترف بها من الدول بعد، وجعلت من لبنان (جمهورية مسيحية) ضمن سلامتها وتعهد بقاءها في وضعها الحالي، كل من إنجلترا وأمريكا وفرنسا، تريد أن تجعل من (سوريا الكبرى) مملكة إسلامية هاشمية.
فقد اتسع الإنتاج الصناعي في أمريكا زمن الحرب اتساعا هائلا في طفرة غير اعتيادية، فارتفعت نسبة الإنفاق على النحو الذي خبره العالم بأسره، وزادت نسبته في أمريكا. ومما ساعد على التضخم في الاقتراض طبيعة التعامل النقدي في الحياة الأمريكية (تسهيلات الدفع والتقسيط الخ)؛ فنتج عن ذلك هذه التيارات التي واجهها الكيان الاقتصادي في أمريكا منذ أكثر من عامين، ونجح في تفادي أزمتها الجارفة بالقرض البريطاني أولا، تم بمشروع مارشال وببرنامج التسلح الهائل الذي ينفذ في إسراف يستوعب العمال العاطلين ثانياً. وهو يحاول الآن أن يخطو خطوة إنقاذ أخرى على طريق التوسع الاقتصادي في المناطق (المتأخرة). إن إنهاض التنمية الاقتصادية ضرورة لاستقرار السلم العالمي - هذه حقيقة مسلم بها، ولكن المهم في هذا العرض هو الوقوف على بعض العوامل الأساسية في مسألة قد تقرر مصير الكيان العربي لأجيال عديدة. فالمساعدة الاقتصادية المقترحة ليست إحساناً خالصاً لرفع مستوى المعيشة للبائسين في الشرق العربي؛ فالضمير الأمريكي لم ينفعل كثيراً لفاجعة فلسطين بالرغم من أن له اليد الطولى فيه. والمساعدة الأمريكية ليست سهماً يوجه للشيوعية التي تربض على أبواب الشرق الأدنى - فموقف أمريكا من التطور في الصين، وقصدها من تزويد الأتراك بحاجتهم الماسة ينفيان ذلك - ولكنها مصلحة فيها عنصر أناني وضرورة اقتصادية ملحة تضع في يد الشرق العربي عنصر مساومة فريد.
مجلة الرسالة/العدد 794/لو أصبح لليهود دولة... للأستاذ نقولا الحداد إنه إذا لم تمحق جماعة إسرائيل المزيفة - ولا تمحق إلا بالسلاح - كان أولى كوارثنا أن الجامعة العربية تفقد هيبتها وتسقط قيمتها وتنحل كما تنحل قطعة السكر حالا في الماء الساخن بعد أن كان متوقعاً أن تتحول إلى ممالك متحدة على حد الاتحاد السويسري أو الأمريكي، بحيث تتضاعف قوتها أضعافاً. الثانية: متى انحلت الجامعة العربية ضعف جداً استقلال كل دولة بحيث تستطيع جماعة إسرائيل أن تستغل هذا الضعف بسهولة كلية، إذ يمكنها أن تلقى شباكها الاقتصادية، فتتصيد الدول العربية واحدة بعد واحدة، بأية حجة حتى بالقتال، ثم تتحكم فيها، إذ تأسرها باللطف الاقتصادي، وبالتخلف السياسي وبحنو الصرافة وإذا اقتضى الأمر فبدلال بنات إسرائيل، كرفقا وراحيل. وثالثة الأثاقي: أن ما كنا نتبجح به من الإجماع على مقاطعة المنتجات اليهودية، والإعراض عن معاملة اليهود إلى أن يضيق بهم العيش، وينضب الرزق (ويطفشوا) من البلاد رويداً حتى تصبح جماعة إسرائيل بلا أهالي ولا رجال - إن هذا الظن يذهب حينئذ مع ريح الإغراءات الصهيونية المتنوعة. الرابعة: لا نلبث أن نرى الصناعات الصهيونية قد ترعرعت وجعلت تزاحم صناعاتنا ومرافقنا، وتقتل أسباب عيشنا واحداً واحدا حتى نصبح حينئذ عالة على الإنتاج الصهيوني فلا نستطيع أن نعيش إلا تحت رحمة أبناء صهيون وهم خالون من الرحمة.
فإن امتداد مشاريع (المساعدة) الأمريكية إلى الشرق العربي هو توسع تستلزمه الأزمات الحاضرة في السياسة والاقتصاد والحرب التي تواجه المعسكر الغربي. ولعل الوقوف على الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة وعلى برامج التوسع التجاري الذي لا مفر للصناعة البريطانية من تحقيقه إذا حرصت على النهوض الصحيح - هذا الوقوف يلقي ضوءاً هادياً على سياسة الدولار في منطقة الجامعة العربية.