sweet.directory
((كل بدعة ضلالة)) هذا التعميم من النبي -عليه الصلاة والسلام-، مع وجود هذا النص الكلي العام -الذي يشمل جميع المحدثات في الدين وأنها ضلالة وأن الضلالة في النار- يقول بعضهم: إن هناك بدع حسنة، وبدع سيئة، ومنهم من يقول: هناك بدع واجبة، وبدع مستحبة، وبدع... إلى آخره، هذا التقسيم للبدع مخترع مبتدع، والعبرة بالتعميم في قوله: ((كل بدعة ضلالة)) كيف يقول -صلى الله عليه وسلم-: ((كل بدعة ضلالة)) وأنت تقول: بدعة واجبة؟ فإما أن يكون العمل بدعة فيكون ضلالة، أو يكون واجبًا فلا يكون بدعة، يعني هذا تناقض. الشاطبي في الاعتصام رد هذا التقسيم وأبطله، وقوض دعائمه، وقال: هذا تناقض ومعارضة لما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مردود على قائله. قد يستدلون بـقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من سن سنة حسنة)) ، وقول عمر -رضي الله عنه-: "نعمت البدعة هذه" فأثنى عليها وسماها بدعة. لكن ((من سن في الإسلام سنة حسنة)) معناها أنه بادر إلى العمل بها ولها أصل، كالصدقة مثلاً، سنّ في الإسلام سنة حسنة، لو قُدِّر أنه في بلد من البلدان لا يوجد مدارس تعلم العلم الشرعي، أو تحفظ القرآن الكريم، ثم بادر إنسان فأنشأ مدرسة، نقول: هذا سنَّ في الإسلام سنة حسنة؛ لأنه أحيا هذه السنة، وبادر إلى العمل بها، وهي في الأصل سنة مشروعة بدليل شرعي.
واجهك بأجوبة غريبة عجيبة جداً, منها: يا أخي! وماذا في ذلك ؟! هذا فيه تعظــيم للـقران! فــقل له: يا أخي! هذا الكلامُ يعاد عليك: وهل الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يُعظم القران ؟ لا شك أنه كان يعظم القران, ومع ذلك لم يُقبله, أو يقولون: أنت تنكر علينا تقبيل المصحف! و ها أنت تركب السيارة, وتسافر بالطيارة وهذه أشياء من البدعة ؟! يأتي الرد على ما سمعتم أن البدعة التي هي ضلالة, إنما ما كان منها في الدين. أما في الدنيا, فكما ألمحنا آنفا أنه قد تكون جائزة, وقد تكون محرمة إلى آخره, وهذا الشيء معروف, ولا يحتاج إلى مثال. فالرجل يركب الطيارة ليسافر إلى بيت الله الحرام للحج, لا شك أنه جائز, والرجل الذي يركب الطيارة ليسافر إلى بلاد الغرب ويحُج إليه, لا شك أن هذه معصية, وهكذا. أما الأمور التعبدية التي سئُـل عنها السائل: لماذا تفعل]هذا[(6) ؟ قال التقرب إلى الله! فأقول: لا سبيل إلى التقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بما شرع الله, ولكني أريد أن أُذكر بشيء وهو – في اعتقادي – مهم جدا لتأسيس ودعم هذه القاعدة ( كل بدعة ضلالة), لا مجال لاستحسان عقلي بتاتاً. يقول بعض السلف: ما أُحدثت بدعة إلا و أُميتت سنةٌ. وأنا ألمس هذه الحقيقة لمس اليد بسبب تتبعي للمحدثات من الأمور, وكيف أنها تخالف ما جاء عن الرسول عليه الصلاة والسلام في كثير من الأحيان.
وأفضل تعريف للبدعة في نظري أن البدعة هي (المحدث في الدين) فهو مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم (كل محدثة بدعة). إذن فإن كل عقيدة أو عبادة أو سلوك أو قانون مخالف للكتاب والسنة وهدي سلف الأمة الصالح رحمهم الله و قواعد الشريعة الإسلامية و أصولها الكلية بدعة. ثانيا: معنى (كل بدعة ضلالة) هذا الشق من القاعدة بيان صريح في أن كل البدع المحدثة في الدين بلا استثناء ضلال، (فقوله صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة) من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء، وهو أصل من أصول الدين، وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة، والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة و الباطنة). وقوله (ضلال) يقتضى بطلان التعبد به بأي وجه من الوجوه، وذلك لعدم الإذن به من الله ورسوله، والإسلام مبني على قاعدتين عظيمتين هما: أولا: توحيد الله وإفراده بالعبادة وهو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله. ثانيا: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والتقرب إلى الله بما جاء به وهو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله، فكل ما يعتقده الناس مما خالف الكتاب والسنة فهو مجرد خرافات وأوهام ومن وحي الشيطان، وكل ما يتقربون به من ذلك فهو مجرد طقوس لا تزكي نفسا و لا تطهر قلبا، فالبدعة سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
اهـقال وليد: بل هذا الكلام هو عين الابتداع كما هو موضح في النص أعلاه. والله أعلم. ([7]) الاعتصام للشاطبي 1/37. ([8]) صحيح البخاري – كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس – حديث:566 ؛ صحيح مسلم – كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها – حديث:1411([9]) حاشية السندى على صحيح البخارى – (1 / 105) وانظر المنشور على:
خاتمة: إن البدع المحدثة في الدين ضلال مبين وعمل مشين، سواء كانت عقيدة في القلوب تطمس أنوار الفطرة، أو كانت أعمالا مردودة على أصحابها بعد التعب والنصب. ثم إنها ولو صدرت عن حسن نية وسلامة طوية ذنب ومعصية، يؤاخذ بها المكلف ويحاسب عليها شأن كل قضية، ذلك لأنها مخالفة للكتاب والسنة وهي أصل كل بلية، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وكان السلف الصالح رحمه الله يدركون هذا المعنى جيدا وينهون وينأون عن البدع المحدثة في الدين ولا يستحسنون منها شيئا، قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى (البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها). ثالثا: (معنى كل ضلالة في النار) من المتقرر في الشريعة الإسلامية المطهرة أن كل ما خالف الحق الذي جاء به الكتاب والسنة فهو ضلال قال تعالى {فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}، ولكن درجات المخالفة للكتاب والسنة متفاوتة كتفاوت درجات الأمر والنهي، ولذلك قد تكون المخالفة مؤدية إلى الكفر لتعلقها بأصل الدين، أو تكون مجرد معصية لا تخرج أحدا من الملة لتعلقها بالفروع، وفي كلا الحالتين تؤثر عوارض الأهلية من الجهل والنسيان والتأويل والإكراه في المؤاخذة بالمخالفة الشرعية أو عدمها. ففي باب البدع مثلا نجد أن البدع مختلفة ومتنوعة، فمنها المكفرة المخرجة من الدين كالقول بوحدة الوجود مثلا، ومنها المفسقة كالخروج على أئمة المسلمين وشق جماعتهم.
اهـ [4] قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (2/ 430): والحديث دليل على استحباب المحافظة على الأوراد وأنها إذا فاتت تقصى. اهـ ([5]) وكم بدّع السلفيةُ عوامَ الناس وعلمائهم من أجل حزب يقرؤونه أو وِرد يلتزمون به! ومن العجائب أن بعض السلفية ـ وهو محمد الشنشوري ـ أورد حديث عمر السابق، ثم أقر بأنه يدل على جواز أن يكون للإنسان قدْر من الذكر والدعاء والصلاة وقراءة القرآن؛ ولكنه سرعان ما قال بعد ذلك: "أما التوسع بمدلول هذا الحديث إلى الأحزاب والأوراد التي شُغل المسلمون بها عن كتاب الله وأذكاره…فمن الابتداع الذي ما أنزل الله به من سلطان….. إلخ. فتأمل كيف نقض غزله، وضيق ما وسعه رسول الله!! انظر: فقه الذكر والدعاء ص73، تأليف محمد بن أحمد الدسوقي الشنشوري، دار الجيل ببيروت، ط1/ 1992م. وانظر المقال أيضا على: